فلسطين

طوفان الأقصى واليهودي الوظيفي

بداية يجب أن نفرّق ما بين ما يقوم به العرب من قادة وسياسيين ومبعوثين وعاملين في المجال الصحي والإنساني؛ وما يصدر من الغوغاء وإن ادعوا النزاهة وفيها الكثير من السم والغل والتحيز نحو الطرف الظالم في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحميل الجانب الفلسطيني الذي يدافع عن حقه في المقاومة والتحرير للوصول إلى دولة مستقلة تبعات ما جرى.

الأول من قادة ودبلوماسيين عرب يسمع وينقل التصورات والتطورات من الطرف الفلسطيني ويحاول أن يكون محايداً في أحسن الأحوال، على عكس الغوغاء أو في أدق تعبير الببغاء المتحيز نحو الظالم الإسرائيلي الذي يشرّع له كل تصرفاته بحق النساء والأطفال، ويردد ما تمليه عليه الماكينة الإعلامية الإسرائيلية من افتراءات حتى مع تصاعد حالات القتل ومشاهد الدمار التي لم تتوقف عند رقم محدد، ففي كل لحظة شهيد فلسطيني وغالباً هم من النساء والأطفال، ويبقى الببغاء يردد تلك الأكاذيب التي أكل عليها الزمن وشرب فلا هو جدد في الكذب، ولا أبتكر أكاذيب جديدة تتماشى مع واقع الحال اليوم على الأرض الفلسطينية.

هذا الببغاء ذكرني بالمصطلح الذي ابتكره د. عبدالوهاب المسيري رحمه الله وتنبأ بنشأة اليهودي الوظيفي أو ما سماه الصهيوني الوظيفي فقال في وصفه: “سيأتي ويصلي معنا العشاء في المسجد” وهو في نفس الوقت يؤدي الوظائف نفسها التي كان يؤديها القائد العسكري الإسرائيلي أو التاجر اليهودي الموالي لإسرائيل.

اليهودي الوظيفي لم يأتي من حرب غزة الحالية 2023 أو انتشار ملف التطبيع في المنطقة العربية بل ظهر في مرحلة ما قبل حرب 1948، ظهر عندما أوكلت مهمة تطهير القرى العربية خلال العام 1948 إلى لواء أسمة “كرياتي” مكون حسب الوثائق الإسرائيلية من نوعية بشرية أدني؛ كانوا عرب يُرسلون للقيام بأعمال النهب ومهمات أقل جذباً عددهم 500 متطوع معظمهم لبنانيون وفي حيازتهم أسلحة بسيطة وذخائره محدودة وصفوا ضمن الأدبيات الإسرائيلية أنهم بلا ضمير.

الوجهة الثاني لليهودي الوظيفي عندما تم تعيين “مخبر” على رأس الجيوش العربية لتنسيق الفعل الحربي المشترك 1948 ومساعد تنفيذي عراقي لم يصدر أي أمر على العكس كان في تنسيق مباشر مع الوكالة اليهودية حفاظاً على مصالحة الخاصة الجغرافية والعائلية.

الوجهة الثالث لليهودي الوظيفي ما قه به الدروز الإسماعيليين في حرب 1984 عندما فر 500 مقاتل منهم من جيش الإنقاذ وانضموا إلى القوات اليهودية، وفصول القصة من الغرائب؛ إذ طلب الفارون قبل أن يغيروا مساكنهم من القادة اليهود في الجليل افتعال معركة وهمية وأخذهم أسرى ومن ثم يعلنون ولائهم للدولة الإسرائيلية، وجرى تمثيل المعركة الوهمية بالقرب من شفا عمرو بين قريتي “خربة الكساير ” و “هوشة” ووقع الدروز لاحقاً على معاهدة حقن دماء والنتيجة أن الدروز أصبحوا الأداة الرئيسية لتأدية دور اليهودي الوظيفي لا بل تجاوز الأمر وعملوا على تطهير منطقة الجليل عرقياً، ونفس الأمر تكرر مع الشركس وانضم 350 مقاتل للقوة اليهودية.

الوجهة الرابع لليهودي الوظيفي حالات التأييد العشوائي ونقل الرواية اليهودية في مختلف المنصات الإعلامية والرقمية وفتح باب الرأي الآخر والاستماع لهم، والترويج لحقهم المزعوم في إقامة وطن لهم على فلسطين لا بل مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالقضاء الفوري الشعب الفلسطيني “والإسراع في ذلك” هؤلاء هم من تغلغلوا في المنظومة الإعلامية، وفي كل معركة تكتسب إسرائيل نقاط إضافية وتستطيع التغلغل بين ظهرانينا بالقوة الناعمة بعد أن تفشل في الحرب والحصار الدائر م على غزة وتجند الببغاء بشكل مجاني ليردد الأسطوانة المشروخة لحق اليهود في فلسطين وتشريع عمليات القتل التي يقوم بها تجاه الفلسطيني دون ذكر أي رقم أو إحصائية ذات علاقة بعدد حالات القتل التي قامت بها القوات الإسرائيلية تجاه نساء وأطفال ورجال أهل فلسطين.

رحم الله د. المسيري فلم يُكتب له عمراً ليعيش اللحظة الحالية ومشاهدة الخطابات المؤيدة للسردية الصهيونية حول القضية الفلسطينية والحالة الدائرة في غزة اليوم، وحجم الخيانة التي مارسها اليهودي الوظيفي منذ انطلاق مفاوضات السلام وانتشار الببغاوات على منصات التواصل الاجتماعي والإعلام العربي، فما إن تنتهي حرب غزة حتى يتأكد لنا أننا أمام خيارين لا ثالث لهما الأول أن هناك فئة انحازت للقاتل وشرّعنت تجاوزته وطعنت أهل فلسطين؛ والفئة الثانية وقفت مع ضمير أهل الحق اعترافاً منها بواجبها الديني والإنساني بحق ما يحدث في فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى