تفكيك الأكاذيب (1) مضمون الدبلوماسية الرقمية الصهيونية
أورد د. عبدالوهاب المسيري في كتابه “الخطاب والمصطلح الصهيوني” أن الدعاية الصهيونية تضمنت موضوعات رئيسة، لعل أبرزها التضليل بصفة عامة، وهو أمر لا يتم عبر الكذب المباشر، وإنما عبر الاختزال والاعتماد على الغموض، بالإضافة إلى اعتمادها على تقديم حلول للعرب، وقد كانت تدرك جيدًا أنهم لن يقبلوا بها، وهو أمر دفعها إلى التركيز على رفض العرب والتوجه إلى الغرب، وإظهارهم على أنهم يرفضون الحلول السلمية
يدرك “الإسرائيليين” بأهمية مواقع التواصل ودورها الجوهري في بث وتسويق سمومهم الفكرية، وتستند بكل قوة إلى المنصات الرقمية بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي لتوصيل صوتها للمجتمع العربي والعالمي، لتسويق سرديتها عن الاحداث، وتعتمد الدعاية الإسرائيلية على العلاقات العامة الرقمية كأداة للإقناع بتقديم محتوى بصري ونصي مُعد بعناية لاستمالة العواطف، وتعزيز مصداقية الاحتلال أمام الجمهور، وصولاً إلى فرض روايتها على المشهد الإعلامي.
وفي إطار تعزيز صورة “إسرائيل” تقوم استراتيجية الدبلوماسية الرقمية بالرد على أي انتقادات موجهة ضد إسرائيل، وتطوير استجابات اتصالية مدروسة بما يضمن تقديم موقف موضوعي مبني على المعلومات، وأسست أكثر من 1,350 قناة رقمية في السفارات والقنصليات، ومواقع إنترنت وحسابات لمقرات حكومية وغيرها وحسابات لدبلوماسيين إسرائيليين.
تسعى استراتيجية التواصل الشامل التي تقوم بها الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية للوصول الشامل إلى جميع الشعوب والثقافات، من خلال تقديم رسائل مصممة بعناية، تتناسب مع الأفكار والمعتقدات الخاصة بكل جمهور، للتأثير إيجابيًا على المشاعر وذلك لتبرير السياسات القتالية الإسرائيلية وتبرير الأعمال الوحشية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية تحت بند “مكافحة التطرف والإرهاب” وعرض “التحديات الأمنية” التي تواجهه المجتمع الإسرائيلي.
وتنشط الدبلوماسية الرقمية من خلال التشويه الرقمي بإعادة تشكيل الحقائق والتعامل مع الوقائع والسرديات بطريقة تسعى إلى تقديم وجهة نظر “إسرائيل” في إطار موضوعي، وإعادة تفسير الأحداث أو تعديل سياقها لصالح الرؤية الإسرائيلية، عبر التلاعب بالوعي الجمعي، مستغلة الردع الرقمي بالتصدي لأي صوت معادية لتوجهات “إسرائيل” ومن أساليبه خلال حظر المحتوى المؤيد للحق الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي، وتصوير أي معارضة أو نقد تجاه “إسرائيل” أنه معاد للسامية، وحذف آلاف المنشورات وحظر الحسابات المتعاطفة مع فلسطين.
وتتوجه الاستراتيجية الاتصالية الإسرائيلية نحو الجمهور في مختلف العالم إلى فئتين، الأولى ممن ليس لديهم موقف مع طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي المعروفين بـ “الوسط”، لأنهم لا يمتلكون فكرة عما يجري على أرض الواقع، وبعيدون عن السياسة والهدف اقناعهم بالسردية الإسرائيلية وصدقها، والفئة الثانية من يقفون معها ويساندونها، لذا تزودهم بالمواد الإعلامية لنشرها أو التفاعل معها وإعادة نشرها ف مختلف المنصات.
وترتكز الاستراتيجية الاتصالية الإسرائيلية على تزويد الصحفيين والمؤثرين الغربيين على مواقع التواصل من خلال بصور وفيديوهات ورسائل اتصالية محددة لنشرها بين جمهورهم، مستندة على إجابات عاجلة ومباشرة للرواية الإسرائيلية ونشرها قبل أن تنتشر الرواية من مصدر آخر، وتقوم البعثات الدبلوماسية بالنشر على أهم المنصات العالمية مثل: فيسبوك، انستغرام، تيك توك، إكس بواسطة ست لغات عالمية، وهي: الإنجليزية، العبرية العربية، الفارسية، الروسية، والإسبانية التي يتحدث بها أكثر من 30 دولة وذلك لإيصال الرسائل لأكبر قدر ممكن من جمهور تلك اللغات ويكون النشر طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة.
لا تنفصل المعركة الرقمية المفتوحة عبر الفضاء الرقمي عما يحدث على الأرض، حيث تنظر “إسرائيل” آنها معركة حول شرعية وجود “إسرائيل” كدولة ذات جيش، واعترف رئيس القسم الرقمي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ديفيد سارانغا، في حوار له على موقع جيروزاليم بوست، بأن عملهم اليومي يهدف إلى “إعادة تشكيل السردية” الدولية حول الحرب، لأن “المعركة اليوم ليست فقط على الأرض في غزة”.
تتلون الرؤية الرقمية الإسرائيلية للتعريف بأفكارها وفقًا لثلاثة عوامل، وهي: الجمهور المستهدف، لغة الخطاب، الظروف الموضوعية، وذلك من خلال الركائز التالية:
- “إسرائيل” حقيقة تاريخية كانت قائمة على أرض فلسطين ثم فقدت استقلالها، وقامت مجددًا العام 1948م.
- قيام إسرائيل تحقيق لنبوءة دينية ووعد إلهي يعطي أرض فلسطين لليهود.
- ضرورة لم شمل اليهود في وطنهم القومي بعيدًا عن الاضطهاد الذي لحق بهم حول العالم.
- إسرائيل ليست دولة عدوان، ولكنها تسعى لتحقيق السلام مع جيرانها.
- إسرائيل دولة تمثل الديمقراطية الغربية في وسط العالم العربي الذي تحكمه أنظمة ديكتاتورية.
- تعظيم قوة إسرائيل العسكرية وجيشها الذي لا يقهر.
وختاماً أورد د. عبدالوهاب المسيري في كتابه “الخطاب والمصطلح الصهيوني” أن الدعاية الصهيونية تضمنت موضوعات رئيسة، لعل أبرزها التضليل بصفة عامة، وهو أمر لا يتم عبر الكذب المباشر، وإنما عبر الاختزال والاعتماد على الغموض، بالإضافة إلى اعتمادها على تقديم حلول للعرب، وقد كانت تدرك جيدًا أنهم لن يقبلوا بها، وهو أمر دفعها إلى التركيز على رفض العرب والتوجه إلى الغرب، وإظهارهم على أنهم يرفضون الحلول السلمية