تفكيك الأكاذيب (7) عقلية الترانسفير في الإعلام “الإسرائيلي”
ركز طرح الإعلام “الإسرائيلي” على عدد من الأفكار الرئيسية لتفريغ سكان فلسطين من أهلها، وجند لها مختلف الوسائل الإعلامية، والخطابات على المنابر العالمية واللقاءات الدبلوماسية
تبيّن بروتوكولات ومحاضر الاجتماعات والنقاشات التي جرت في جلسات الحكومات “الإسرائيلية” عقب حرب 1967 أن مخططات تهجير الفلسطينيين بصورة طوعية أو قسرية حاضرة وممتدة منذ العام ١٩٤٨، فلم تمر مناسبة إلاّ وطُرح فيها موضوع التهجير القسري للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وقد تضمنت النقاشات التي نشرها الإعلام “الإسرائيلي” عبارات مثل: “خفض عدد السكان”، “إخلاء المنازل”، “ترحيل”، “طرد”، “نفي”، و”إفراغ المكان”، و”الترانسفير”.
كما أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بكافة أقطابها من اليمن واليسار والتحالفات مع المتدينين والعلمانيين ووسائل الإعلام التابعة لها، هدفت إلى تبني فكرة تقليص عدد السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة بناء المستعمرات اليهودية وخاصة في شمال غزة وهو ما يظهر اليوم جليًا ضمن مناقشات الإعلام “إسرائيلي” حاليًا، فمشاريع اليوم ما هي إلا امتداد لنقاشات الأمس.
ركز طرح الإعلام “الإسرائيلي” على عدد من الأفكار الرئيسية لتفريغ سكان فلسطين من أهلها، وجند لها مختلف الوسائل الإعلامية، والخطابات على المنابر العالمية واللقاءات الدبلوماسية، وتضمنت السياسات والتصريحات والكتابات عبارات وفق التالي.
- أرض فلسطين مقفرة، ولم يفعل العرب شيئاً من أجل استصلاحها وتطويرها، وبالتالي فإن من يملك الحق في امتلاكها هو مَن يعمل على ذلك، وهو الشعب اليهودي المتقدم حضارياً، لأنه يشكّل جزءاً لا يتجزأ من الغرب وحضارته. ولنا هنا ثلاث وقفات...
- طرح هذه الفكرة أهارون دافيد غوردون، المنظّر الرئيسي للنزعة القومية اليهودية وهو أول من طرح مبدأ الحق في الأرض من خلال العمل، إذ أكد في العام 1909، أن الأرض “تعود إلى الشعب الذي يتحمل المعاناة الأكبر من أجلها”، وهي تُكتسب بـ “عرق الجبين”، من جهة، وبالوعي بامتلاك “الحق” في ملكيتها، من جهة ثانية.
- كتب دافيد بن – غوريون 1915، عندما كان في الولايات المتحدة الأميركية، مقالاً بعنوان: “نحو المستقبل”، ورد فيه: “أن أرض إسرائيل صحراء تغطيها الأنقاض، والأعداد القليلة من العرب الذين يعيشون فيها لن يكونوا قادرين على إحيائها ورفع أنقاضها”، وهي تنتظر “شعباً متطوراً ومتحمساً، وغنياً بالقوى المادية والروحية، ومسلحاً بالعلم والتقنيات الحديثين، كي يتجذر في هذه الأرض، ويستخدم الثروات الطبيعية، وخصائص الأرض، ومباركة المناخ، بحيث يروي الصحراء، ويجعل الهضاب المقفرة مزهرة، ويغني الأرض المنهكة، ويزرع الرمال، ويحوّل الأنقاض إلى جنان.” ولم يقتصر الأمر على عجز العرب الفلسطينيين عن استصلاح الأرض وتطويرها، بل إنهم لم يبدعوا أي شيء يذكر في فلسطين كي يطالبوا بحقوق لهم فيها.
- كتب زئيف جابوتنسكي، الذي وقف بحزم ضد تيار فكري صهيوني أكد ارتباط اليهود ثقافياً بالشرق، أن اليهود يعودون إلى فلسطين “كي يقوموا بتوسيع حدود أوروبا حتى تصل إلى نهر الفرات”، وبعد أن عرض بالتفصيل ما يميّز الغرب عن الشرق على الصعيد الحضاري، خلص إلى أن اليهود “ليس لديهم أي شيء مشترك” مع الشرق، بل هم ينتمون إلى الغرب، وأن هذا الانتماء يجد تعبيره، كما كتب، “في واقع أن أوروبا، من وجهة نظر معنوية، هي لنا كما هي لهم، أي للإنكليز والإيطاليين والألمان والفرنسيين”، ذلك بأن “آلاف اليهود قدموا مساهمتهم، في جميع البلدان، في العلم، والفلسفة، والفنون، والتقنيات، والسياسة والثورة؛ وعليه، فإن ابتعادنا عن ʾالغربʿ لنتبنى ما يميّز ʾالشرقʿ سيعني أن ننكر أنفسنا.”
- يملك اليهود يملكون حقوقاً تاريخية في فلسطين، وهي حقوق لا تتقادم مع الزمن، بينما لا يملك العرب الفلسطينيون مثل هذه الحقوق. ولنا هنا وقفتين…
- بين أهارون دافيد غوردون، أن حجة الحق في ملكية أرض فلسطين عن طريق العمل لاستصلاحها وتطويرها ليست كافية وحدها، فراح يطرح منذ أواسط العام 1918، حجة أُخرى هي الحق التاريخي لليهود فيها، إذ كتب: “نمتلك حقاً تاريخياً في هذه الأرض، وهو حقنا ما دام لم تكتسبه قوة حيوية وخلاّقة بصورة حصرية، إن أرضنا، التي كانت “بلد اللبن والعسل”، أو على الأقل بلد الزراعة الراقية، أصبحت مقفرة وفقيرة أكثر من أي بلد متحضر، وباتت خالية تقريباً؛ وهذا الوضع هو بمثابة تأكيد لحقنا في هذا البلد”. وكتب: “نمتلك مع أرض إسرائيل عقداً لا يمكن لأحد ولا لأي أمر أن يلغيه، فهو عقد أبدي: وأتحدث هنا عن التوراة.. إن إبداعات كهذه، كإبداع العهد القديم، تضفي حقاً ثابتاً للشعب الذي أبدعها على الأرض التي أبدعها فيها، وخصوصاً إذا لم يبدع الشعب الذي جاء بعده شيئاً مشابهاً او لم يبدع شيئاً على الإطلاق.”
- عمد برل كاتزنلسون الذي احتل مكانة خاصة في حياة الحركة العمالية الصهيونية وتاريخها، لتبيان الحقوق المعنوية والتاريخية للحركة الصهيونية في أرض إسرائيل ضمن المحافل العالمية والزيارات الدبلومسية وقال عن هذه الحقوق: “يجب أن يسند الصهيونيون مشروعية احتلالهم للأرض أو تسويغ ترحيل السكان العرب لأغراض التوطن الزراعي عندما يتطلب الأمر ذلك”؛ فالسكان العرب لم يكن لهم، -حسب رأيه- أي حق جماعي في ملكية الأرض، وتبنى طرد العرب من الأرض لإفساح المجال أمام توطن زراعي يهودي هو أمر مشروع ما دام يتم التعويض عن الحقوق الفردية، التي لا تنطوي على حقوق قومية.
- العرب الفلسطينيين يملكون دولاً عربية كثيرة يمكنهم الانتقال إليها، بينما لا يملك اليهود وطناً خاصاً بهم سوى فلسطين. ولنا هنا وقفتين…
- كتب الأديب الصهيوني البريطاني يسرائيل زانغويل وكان مقرّباً من تيودور هرتسل، أن رحيل السكان العرب عن فلسطين هو الشرط المسبق لتحقيق الصهيونية: “أليست جزيرة العرب ومساحتها مليون ميل مربع كلها لهم؟ ليس ثمة ما يدعو العرب إلى التمسك بهذه الحفنة من الكيلومترات في فلسطين؛ فمن عاداتهم وأمثالهم المأثورة “طي الخيم” و”التسلل”، فلندعهم الآن يعطون المثل على ذلك.”
- أكد دافيد بن غوريون، في لقاء جمعه بأعضاء جمعية “بريت شالوم”، في أكتوبر 1929، أن “أرض إسرائيل لا تعني بالنسبة إلى الشعب اليهودي ما تعنيه بالنسبة إلى الشعب العربي”، ذلك بأن الأمة العربية “تمتلك عدداً كبيراً من البلدان الواسعة جداً، والتي تعادل مساحتها في آسيا فقط ثلث مساحة أوروبا، في حين أن بلدنا لا يشكّل سوى جزء صغير من إقليم كبير جداً يقطنه العرب، والكثافة السكانية فيه ضئيلة جداً كما أن قسماً صغيراً فقط من الشعب العربي، يصل تعداده ربما إلى 7 – 8٪ من مجمل العرب في البلدان الآسيوية وحدها، يقطن في أرض إسرائيل، لكن الأمر مختلف فيما يتعلق بالشعب اليهودي”، وتابع قائلاً “فهذا البلد، بالنسبة إلى الأمة اليهودية بأسرها، بكل أجيالها وفي كل المنافي، هو البلد الوحيد الذي ظل مصيرها ومستقبلها التاريخي مرتبطاً به”.
- التهجير الطوعي للعرب الفلسطينيين لن يكون ممكناً، وبالتالي لن يتحقق سوى عن طريق القوة التي يمكن أن تتخذ شكل الإرهاب. ولنا هنا خمس وقفات…
- كتب تيودور هرتسل في يومياته 12 يونيو 1895، أنه يتوجب نزع ملكية العرب بطريقة صحيحة، “سنحاول تهجير السكان الأكثر فقراً إلى الجانب الآخر من الحدود من خلال توفير وظائف لهم في البلدان التي تستقبلهم، لكن مع رفض تشغيلهم في بلدنا، على أن تجري عملية نزع ملكية هؤلاء السكان الفقراء وإعادة توطينهم من دون عنف وبحذر”.
- اقترح رئيس المكتب الفلسطيني للمنظمة الصهيونية آرثر روبين وفي مايو 1911 في رسالة وجهها إلى اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية، تهجيراً محدوداً للعرب الفلسطينيين نحو سورية، بحيث يقوم الصهيونيون بشراء مساحات من الأراضي في حلب وحمص في شمال سورية لتوطين الفلاحين العرب الذين حُرموا من أراضيهم في فلسطين.
- دعا حاييم وايزمن في مارس 1930، إلى الاستيلاء على أراضي شرق الأردن لتوطين عرب فلسطينيين فيها، كما اقترح تأسيس “شركة تنمية” بهدف تملك الأراضي القادرة على استيعاب عرب فلسطين المرحّلين إلى شرق الأردن.
- رأى أبراهام حاييم أوسيشكين، في مقال نشره في صحيفة “دوار هيوم” في 28 أبريل 1930، أن التهجير هو الرؤية الواقعية الوحيدة على المدى البعيد، ذلك “لأن لنا مثالاً أعلى وأعظم وأنبل من الحفاظ على بضع مئات الآلاف من الفلاحين على أراضيهم.”
- كتب برل كاتزنلسون: “إننا نؤيد تهجيراً يقبله المعنيون، وتسوية بين الشعبين، لكن بما أن مثل هذه التسوية لن تكون ممكنة، فطريقة التهجير الوحيدة ستكون اللجوء إلى القوة.”
وختامًا ما يحدث على أرض فلسطين هو التطبيق الحرفي لنتائج العقوبات الجماعية ضد السكان وما يرافقه من هدم البنية التحتية، وقتل الإنسان، وتخريب المكان لتطبيق سياسات الترانسفير بحق الفلسطينيين بأي طريقة ممكنة دون النظر إلى عواقبها الأخلاقية أو القانونية والإعلام الإسرائيلي جزءً أساسيًا من هذا المكون ألا أخلاقي.