الأخبار الكاذبة

الأخبار الكاذبة عرض أم طلب

باسل النيرب
أصبح التضليل الإعلامي ضمن غرف الأخبار أكثر انتشارًا وتكيفًا وتأثيراً، وسبب تآكلًا في ثقة الجمهور وخاصة مع ازدياد الذكاء الاصطناعي، الذي يُزعزع النظام البيئي للمعلومات في العالم، وفي كل مرة يُنشر فيها كذبٌ ما، يُشير ذلك إلى زيادة الطلب. وحسب تقرير المخاطر العالمية 2024، فإن الكذب الإعلامي الأكثر طلبًا يقع ضمن المسارات التالية:
 تغير المناخ والموضوعات المتعلقة بالاحتباس الحراري والعواقب المرتبطة به على الأرض.
 الموضوعات الديموغرافية والتغيرات في حجم ونمو وتركيبة السكان حول العالم.
 التسارع التكنولوجي ومسارات التنمية للتكنولوجيات الرائدة.
 التحولات الجيوستراتيجية وتركيزها ومصادر القوة الجيوسياسية.
والسؤال الجوهري، هل تُعدّ الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مشكلة عرض أم طلب؟ ومن يملك القدرة على الحد منها أو زيادتها؟
قبل شيوع الإنترنت كان إطلاق حملات لصناعة الأخبار الكاذبة يتطلب موارد ضخمة، إذ كان يعتمد على موارد مالية ضخمة، وصانعي محتوى إعلامي باجور متدنية. أما اليوم، ومع دخول عصر الذكاء الاصطناعي تحولت صناعة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة إلى صناعة رخيصة وذات تأثير على الاقتصاد الوطني.
وضمن شيوع الأخبار المولدة بالذكاء الاصطناعي، أصدرت شركة نيوز جارد، المتخصصة في تقييم موثوقية المصادر الإلكترونية، إحصاءً يدق ناقوس الخطر؛ بحلول مايو 2025، كان أكثر من ١٢٧١ موقع إخباري ومعلوماتي مُولّد بالذكاء الاصطناعي، بأسماء تبدو شرعية – مثل iBusiness Day وIreland Top News ينشرون بـ 16 لغة، وينشرون ادعاءات كاذبة، ويعملون دون إشراف بشري، ويمثل هذا العدد قفزة بأكثر من 20 ضعفًا في عدد مواقع “الأخبار” المُولّدة بالذكاء الاصطناعي خلال العامين الماضيين، وحسب تقرير الشركة؛ نشرت مؤسسات إخبارية بارزة مثل واشنطن بوست، وبوليتيكو، والغارديان روابط لقصص كتبتها منصات تُدار بواسطة روبوتات دردشة لا تُولي اهتمامًا كبيرًا للدقة، حسبما وصف صحيفة نيويورك تايمز.
ومن الأخطاء التي وقعت فيها المنافذ الإخبارية، وسببت تُشوّيش المعايير الصحفية:
 تلخيصات لأحداث رياضية مكتوبة بالذكاء الاصطناعي سخر القراء من السرد القصصي.
 صنعت روبوتات النشر شخصيات بشرية عبر صور شخصية مزيفة وسير ذاتية تبدو بشرية.
 وساهمت هذه التجربة إلى حد كبير في تقويض ثقة الجمهور بالصحافة.
 تنبيهات إخبارية غير دقيقة.
إن زيادة عرض المعلومات المضللة البشرية أو المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي هي مخاوف حقيقية، فالعرض المتزايد للأخبار يتنافس على نفس عدد المشاهدين، وهذه المخاوف واقعية وليست من قبيل المبالغة أو التهويل، ومن ناحية المؤسسات الإخبارية فهي ترتكب أخطاءً متعددة فهي تستشهد بمصدر ربما يكون أقل موثوقية من مصدر آخر، وتُعطي بعض تلك المؤسسات صوتًا لشخصيات عامة أقل موثوقية ربما يدلون بتصريحات كاذبة.
من ناحية الجمهور فهو يتفاعل، وكلما زاد التفاعل مع الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، أصبحت أكثر انتشارًا وإقناعًا، فالجمهور هنا هم من يُدربون الأنظمة دون وعي، ولهذا لا يستجيب الذكاء الاصطناعي للطلب على المعلومات المضللة فحسب، بل يُشحذها ويُشكِّلها، ويُصنِّعها بشكل متزايد سواء كانت بتحيز بشري أم بإيحاءات آلية، فاستمرار هذه الحلقة يعزز من وصولها المستمر إلى الجمهور.
ومن ناحية المنصات، تلعب الآلية التي تم بناء المنصات عليها دورًا مهمًا، فالمنصات تستقطب بسبب آليات طرح المحتوى ومشاركته للوصول إلى مستخدمين جدد، ومع التفاعل والمشاركة تُصبح التفاعلات وقودًا للخوارزميات التي لا تتعلم ما هو صحيح من خطأ، بل ما هو مُلحّ نظراً للتفاعل معها.
وختاماً إن التضليل الإعلامي المدعوم بالذكاء الاصطناعي أمر واقعي، وأمام المشهد المعلوماتي المربك، ولكسر حلقة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة المنتشرة على المنصات الاجتماعية بفعل الخوارزميات والتفاعل البشري، فالقوانين وحدها لن تقدم الحل الوحيد؛ بل يوجد طرق متعددة لاكتشاف الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة، ومن المهم دمج الثقافة الرقمية والإعلامية ضمن المناهج الدراسية، وتُحفيّز الدقة في بيئات المعلومات، وأن يكون المجتمع قادرًا على الحد من تدفق المعلومات المضللة عبر ممارسة طرق التحقق من المعلومات وتعزيز التفكير النقدي، والتزام المجتمع الصحفي بالمعايير الصحفية، بما في ذلك الصدق والدقة، ومحاسبة مُروّجي المعلومات المضللة من خلال سياسات واضحة وشفافة تُمكّن من اتخاذ إجراءات وعقوبات أسرع وأكثر حسمًا، تتناسب مع آثارها.

صحيفة مكة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى