الخصوصية مقابل الحب تطبيقات المواعدة الرقمية
مهما كنت حريصًا على عدم مشاركة بياناتك فتأكد أنك لست مجهول الهوية بالنسبة لشركات الإنترنت الكبرى والجهات الحكومية “والكثير من المؤسسات الخاصة”
شكل انتشار كوفد -19 وما حملة من العزلة الاجتماعية انتشارًا واسعًا لتطبيقات التعارف “المواعدة” فكانت متنفسًا أساسياً عند المستخدمين، ولكن دون ادارك منهم لطبيعة وسياسة الخصوصية والحماية التي توفرها مثل تلك التطبيقات للمستخدمين، وقبل الخوض في تفاصيل وسياسة الخصوصية لمثل هذه التطبيقات لا بد من الإشارة إلى أن البيانات التي يتم التعامل معها أو بيعها في تطبيقات مثل Tinder ،Coffee Meets Bagel أو Adult FriendFinder وهي التطبيقات الأشهر في التعارف والمواعدة تجاوزت أكثر من 412 مليون مستخدم، و 40 مليون مستخدم لتطبيق Ashley Madison، و1,7 مليون مستخدم من تطبيق “أومياي”.
وعن آلية عمل تلك التطبيقات فهي تتشابه كثيراً مع الأنواع المختلفة من التطبيقات المنتشرة، فالمُستخدم يحتاج إلى إنشاء حساب شخصي مع رفع مجموعة من الصور، أو مقاطع الفيديو، وتحديد التفضيلات الخاصّة به كعمر الشريك الذي يبحث عنه، طوله، دراسته، وموقعه الجغرافي، لتبدأ بعد ذلك الخوارزميات عملها من خلال عرض الاقتراحات على هيئة صور يقوم للموافقة عليها واعتبارها اقتراحا صحيحًا أو رفضها.
وبعد بدأ التعارف والتواصل لفترة من الوقت يتم التلاعب بعدة أشكال وتبدأ غالباً ضمن محادثة عادية أو بأسماء مستعارة وخلف هويات مزيفة لأشخاص يعيشون ويعملون في الخارج، أو جنود، وتبدأ قصص الحب الافتراضية ثم يأتي طلب تحويل الأموال لشراء تذاكر سفر أو تأشيرات دخول أو نفقات طبية أو حالات طوارئ أخرى، مع وعد بإعادة المبالغ المدفوعة عند حصول اللقاء المزعوم الذي لن يتم أصلاً.
وضمن مرحلة الابتزاز؛ يتم استخدام الحسابات المزيفة لإقامة علاقات غرامية مع مستخدمين أبرياء على الإنترنت، فيما يعرف باسم (Catfishing)، كذلك استخدام الصور “المحرجة للمستخدمين” أو بعضها لابتزاز أصحاب الحسابات التي تم سرقة صورها للحصول على مبالغ مالية منهم، أو لجوء إحدى الشركات العاملة بمجال الذكاء الصناعي للتعرف على الوجه (Facial recognition) لتدريب الذكاء الصناعي على التفريق ببن ملامح البشر المختلفة.
على مستوى الأموال المنهوبة تبلغ قيمة عمليات الاحتيال وحسب تقديرات هيئة المنافسة الأميركية (FTC) 547 مليون دولار عام 2021، وتم الإبلاغ عن خسائر بنحو 1,3 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس الماضية.
ويبقى التساؤل كيف تجني تطبيقات المواعدة المال؟ تشكل تطبيقات المواعدة فوائد تجارية، وتأتي إيرادات هذه التطبيقات من خلال الاشتراكات التي يدفعها حيث تتيح التطبيقات المجانية إصدارات متميزة تحتوي على خصائص إضافية تتيح للمستخدمين وسائل أكبر للتعبير والتواصل مقابل اشتراك، ورغم التباين في قيمة المبالغ التي يدفعها المستخدمون من تطبيق إلى آخر، إلا أن متوسط إنفاق المستخدم على هذه التطبيقات يصل إلى 90 دولاراً سنوياً، كذلك عمليات الشراء داخل التطبيق، التسويق وتمرير الهدايا وتشغيل إعلانات AdSense وخدمات BuySellAds إعلانات البيع والشراء لربط المعلنين بالناشرين، كذلك الترويج للمشاركات، وبحلول العام 2023، تشير التقديرات إلى أن النمو السنوي للقطاع سيرتفع 4.2٪ حيث ستتجاوز الحصة 1,968 مليون دولار.
نأتي على مسألة الخصوصية المفقودة، ففي العالم الافتراضي؛ طالما ولجت إلى الإنترنت فلا خصوصية لك، إضافة أن المنطقة العربية تأخرت كثيراً في وضع قوانين تحمي البيانات الشخصية، فكان أول قانون صدر في تونس العام 2004، الإمارات 2007، والمغرب 2009، بينما يعود أول قانون عالمي إلى مقاطعة هيسن في ألمانيا العام 1970، والحديث حول حماية البيانات الشخصية بالعالم العربي ضعيف أصلاً لانتشار الأمية الرقمية، واعتقاد المستخدم العربي أن الانترنت وسيلة للترفيه فقط.
ومع انتشار التطبيقات زاد الخطر على الحياة الخاصة فالكثير من هذه التطبيقات تطلب من المستخدمين السماح لها بالدخول إلى كاميرا، الميكروفون، التخزين الداخلي للهاتف، الأمر الذي يتيح لها استخدام هذه الأدوات، وتساهم هذه الشروط عند التسجيل وبموافقتك باستغلال معلوماتك الشخصية في الجانبين التجاري والسياسي، بحيث يتم بيع هذه المعلومات لمؤسسات، كما يمكن اختراق البيانات وهناك أمر تقوم به الكثير من المؤسسات لصالح أفرد ومنظمات وهو تحليل الانطباعات والآراء الخاصة بالمستخدم، ويمكنها استهدافه للتأثير عليه.
وأنقل تجربة أحد المستخدمين الذي أرسل طلباً إلى شركة Google للحصول على بياناته الخاصة، وبلغت سعة الملف الخاص به 5.5 جيجا، وينطبق الأمر ذاته على Facebook، حيث توصل الباحث بملف خاص به يصل إلى 600 ميجا، يحمل كل الرسائل والملفات الخاصة به وأسماء أصدقائه والمنشورات التي أُعجب بها، والأماكن التي دخل منها، والأوقات التي قضاها في الموقع.
مهما كنت حريصًا على عدم مشاركة بياناتك فتأكد أنك لست مجهول الهوية بالنسبة لشركات الإنترنت الكبرى والجهات الحكومية “والكثير من المؤسسات الخاصة”، فيمكن تتبع عادات استخدامك للإنترنت في كل الأجهزة، معرفة سجل الحركة، مطاعمك المفضلة، العلامات لتجارية للملابس التي تشتريها، مكان التسوق، سجل الدفع عبر الإنترنت، سجل زيارة المواقع الالكترونية، الإعلانات المفضلة، معلوماتك البنكية وعناوينك الخاصة، أفضل الفئات من ناحية الموضوع الجنس والعمر التي تتفاعل معهم في المنصات الاجتماعية وغيرها الكثير… باختصار إننا نعيش في العصر الذهبي للمراقبة والتتبع.