إعلام رقمي

نشر التجهيل الإعلامي!

مع الانتشار المتصاعد لوسائل الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي ازداد معدل النشر اليومي للأخبار، وتبدلت المعايير التي تنظم عمليتي الاستقبال والنشر؛ وبات أحد المعايير البحث عن المزيد من الجمهور والمزيد من الإعجابات وإعادة النشر ومشاركة المادة المنشورة في مختلف المنصات الاجتماعية، ولا مانع طبعاً من نشر أخبار كاذبة ومزيفة وصور وفيديوهات خضعت لتقنيات التزييف والتزييف العميق، وانتقل هذا المرض إلى الإعلام التلفزيوني وبرامج اليوتيوب التي خصصت برامج تناقش أهم الـ TREND العالمي منسوبة لمصادر مجهولة المصدر.

إعلامياً من أهم أولويات النشر؛ نشر المعلومة منسوبة لمصدرها، وعند نشر معلومة مجهولة المصدر أن تكون المعلومة تستحق النشر، وأن يتمتع المصدر بالجدارة والثقة التي تتكون مع الأيام، فلا يمكن نشر معلومة دون التحقق من المصداقية حتى وإن كانت المعلومات الأولية مستندات رسمية تم الحصول عليها عندها تعد غير كاملة؛ والأصل أن يُبني عليها مادة صحفية اضافية.

تلك القواعد المهنية ليست حديثة؛ بل توارثتها أجيال الصحفيين جيلاً بعد جيل، إلا أننا نعيش الآن في فوضى الأخبار الكاذبة والمزيفة والمنحازة، ليس لشيء إلا لتحول بوصلة عدد من المؤسسات الإعلامية، وتبدل معاييرها من معايير الجذب الإعلامي المهنية؛ إلى معايير الجذب الإعلاني، فهناك فارق كبير بين العمل الإعلامي الجذاب، فهو يستخدم عناصر الإثارة والتشويق لإمتاع القارئ وجذب انتباهه للقضايا الهامة، وبين العمل الإعلاني الذي يعتمد على جذب انتباه العميل بكل الوسائل الممكنة، والفرق بينهما واضح؛ فالعمل الإعلامي عمل رسالي لبناء وعي وثقافة المجتمع، والعمل الإعلاني عمل دعائي يتمحور حول السلعة المراد ترويجها.

وأمام الاحتياج الفعلي يبرز تساؤل جوهري لماذا هذه الثقة المُفرِطة في وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي؟

بكل بساطة نعيش في عالم رقمي سمته وسائل التواصل التي فتحت سبلاً كثيرة في مسائل الحريات؛ وفي المقابل تشكلت آليات لمراقبة آراء الجمهور، وهي وسيلة تستخدمها بعض القوى لفرض هيمنة لم تكن ممكنة قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي. وضمن منصات الإعلام الاجتماعي هناك كم كبير من مستخدمي المنصات ينشرون دون التحقق من المصدر أو من صحة المعلومات، وحتى عند النشر لا يتم محاسبة الناشر الذي يثير في كثير من الأحيان صرعات ويُحرِف الرأي العام نحو قضايا ثانوية لا تمس حاجات المجتمع الأساسية، وبكل أسف كل من خضع للمسائلة كان قد مّس سيادة دولة أو حكومة ما، أما من يمّس النسيج الاجتماعي فهو على الأغلب بعيد عن المسائلة حتى يخالف النهج المرسوم له، فيتم استدعائه ومحاسبته بأثر رجعي بحجة خرق قانون النشر الإلكتروني.

لا أسعى للموازنة بين الفرص الإيجابية والسلبية التي يتبارى فيها كل طرف لبيان موقفه من منصات التواصل الاجتماعي، ولكن مستخدمي المنصات الاجتماعية من العرب منشغلين في صراعاتهم العنصرية والدينية والإقليمية أكثر من انشغالهم في محاسبة القائمين على مسائل تحقق ازدهارهم، والقائم على القانون في عالمنا العربي ينطبق عليه ما قال المرحوم وحيد حامد في فيلم طيور الظلام: القانون زي ما بيخدم الحق بيخدم الباطل.. واحنا الباطل بتاعنا لازم يكون قانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى