تفكيك الأكاذيب (4) الهسبارا: استراتيجية الإعلام الإسرائيلي للتأثير

الهسبارا كلمة عبرية تعني “الشرح”، وهي عقيدة استراتيجية للإعلام الإسرائيلي، تم إقرار استخدامها من قبل الكنيست الإسرائيلي في عام 1982. تهدف الهسبارا إلى تعزيز الدعاية المؤيدة لإسرائيل من خلال الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي، كما تعد ركيزة أساسية في بناء العلاقات الدولية وتعزيز الدبلوماسية الإسرائيلية.
تاريخ الهسبارا
يعود صياغة مصطلح الهسبارا إلى ناحوم سوكولوف، أحد قادة الحركة الصهيونية الأوائل في بدايات القرن العشرين. كان سوكولوف صحفيًا وكاتبًا بولنديًا، واعتبر أن الهسبارا تمثل شكلاً طبيعيًا للحركة الصهيونية لنشرها بين مستشاري أوروبا والخطب العامة، كوسيلة للقادة الصهاينة من أجل توضيح تطلعات الشعب اليهودي للسلطات.
المؤسسات والأدوات المستخدمة في الهسبارا
السيطرة على وسائل الإعلام التقليدية والجديدة
تخضع المؤسسات الدولية الرسمية والصحف العالمية ومنصات أخرى لعمليات تضليل ممنهجة بهدف قلب الحقائق، وإظهار الاحتلال الإسرائيلي بصورة الضحية. تشمل هذه المؤسسات وكالات حكومية، ووزارات، ومراكز بحوث، ومنظمات غير حكومية، بالإضافة إلى قسم في مكتب رئاسة الوزراء، وقسم الإعلام والدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، ووزارة الدبلوماسية العامة وشؤون المغتربين سابقًا، والوكالة اليهودية لأجل “إسرائيل”. لكل منها أدوار تفصيلية محددة، ويتم تمويل مشروع الهسبارا من قبل الحكومة الإسرائيلية بدعم واسع من أفراد وشركات عالمية.
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام
يتم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع للتفاعل مع الجمهور الدولي، وإنشاء مواقع إخبارية ومدونات تروج لوجهة نظر إسرائيل. تتضمن هذه الجهود استخدام لجان إلكترونية متخصصة لنشر محتوى ومشاركات مكثفة على منصات مثل إكس وفيسبوك وإنستغرام، بهدف التأثير في الرأي العام وتوجيه النقاشات بصورة تخدم مصالح إسرائيل.
الدور الدبلوماسي والفني في تعزيز الهسبارا
تستخدم إسرائيل دبلوماسيتها لتعزيز رؤيتها وتبرير سياساتها في المنظمات الدولية والمؤتمرات العالمية من خلال المشاركة النشطة في النقاشات وتقديم الحجج التي تدعم توجهاتها. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام الفنون والثقافة كأداة لتعزيز الصورة الإسرائيلية المزعومة وتعميق فهم الثقافة الإسرائيلية المزعومة وتعزيز العلاقات الثقافية مع البلدان الأخرى. تشمل هذه الأنشطة حفلات موسيقية، معارض فنية، وعروض مسرحية، لتعريف الجمهور الدولي بالثقافة الإسرائيلية وتوجيه الانتباه بعيدًا عن القضايا السياسية والأمنية.
تأثير الهسبارا على الرأي العام العالمي
تضافرت الجهود لتصوير عمليات الجيش الإسرائيلي بطريقة إيجابية، بهدف إزالة النقد الدولي وتصميم الرواية باعتبار إسرائيل “الضحية للإرهاب الفلسطيني”. تعتمد هذه الرواية على سلسلة من الأفعال القائمة على الإثارة والاستعطاف، واستخدام نغمة معاداة السامية، والتزوير ضمن وقائع التاريخ، والتكرار لتثبيت الرواية الإسرائيلية.
التحريف والتلاعب بالحقائق في إطار الهسبارا
تحت غطاء الهسبارا، جرى إنشاء هياكل دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول للتأثير على كيفية تفكير الرأي العام العالمي بشأن إسرائيل. تستخدم هذه الهياكل أساليب متنوعة للتحريف والتلاعب بالحقائق، مثل تشويه الحقيقة، وتحريف الأنظار عن المجرم الحقيقي، وتحويل أي نشاط معارض لإسرائيل إلى نشاط معادٍ للسامية.
الميزانيات والمبادرات الداعمة للهسبارا
خلال الشهرين الأولين من العدوان الإسرائيلي على غزة، اعتمدت حركة الهسبارا في إسرائيل على 120 غرفة عمل، و40 منظمة غير حكومية تعمل في تطوير أدوات التكنولوجيا، و100 قاعدة بيانات. أقرت وزارة المالية الإسرائيلية في نوفمبر 2023 ميزانية إضافية لجهود الهسبارا في الحرب بقيمة 36 مليون شيكل، منها 10 ملايين شيكل لوزارة الخارجية، و20 مليون شيكل لوزارة الشؤون الخارجية، و33 مليون شيكل لدعم المنظمات المدنية التي تعمل في الهسبارا خلال الحرب.
وفي إطار الجهود الحثيثة لتطوير حملات دعائية ونشر المحتوى، نشطت العديد من المبادرات خلال الفترة، بما في ذلك 72 مبادرة غير ربحية تعتمد على متطوعين من بينهم شركات تكنولوجيا واختصاصيين وأكاديميين ومنظمات كانت منخرطة في نشاط داعم لإسرائيل. أصبح المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي هو المصدر الرئيسي للتقارير المستخدمة في هذه الحملات لتبرير الهمجية والوحشية.
خاتمة
تظل الهسبارا أداة قوية تستخدمها إسرائيل لتوجيه الرأي العام العالمي وتبرير سياساتها. من خلال فهم هذه الاستراتيجية، يمكن للمجتمعات زيادة الوعي حول تأثيرها والعمل على مواجهتها.